Avatar photo

Hugo Shorter

British Ambassador to Lebanon

16th June 2017 Beirut, Lebanon

لن ينتصر الإرهابيون: وماذا يعني ذلك؟

في كلّ مرّة يضرب فيها الإرهاب، نردّد في أنفسنا ذاك الشعار المطمئن أنّ الإرهابيون لن ينتصروا … وهم فعلاً لن ينتصروا. ولكن في مرحلة ما، تشعر أنّ ذاك الشعار فارغ.

فالإرهابيون، وللأسف، يستمرّون بالقتل ونشر الخوف في مناطق عدّة من العالم. ولن تفارق الهجمات الأخيرة والتجربة الفظيعة التي طالت وستمنستر ومنشستر وجسر لندن بال الناجين ولن تلتئم جراح محبّي ضحاياها من عائلاتهم وأصحابهم.

لم تكن الوحدة مهمّة قطّ بقدر ما هي عليه اليوم، في الوقت الذي يواصل فيه المتطرّفون برنامج سفك الدماء والتقسيم في العالم. فالأحداث الأليمة الأخيرة في بغداد ومصر وطهران وأفغانستان ونيجيرا ولندن ومنشستر قد كانت دليلاً على العذاب الكبير الذي تسبّبه أيادي هؤلاء الإرهابيين، كما في سوريا والعراق، حيث ما زال يُجبر الآلاف على العيش تحت حكم داعش الوحشيّ.

يمكننا مقاومة كلّ هذا وسنقوم بذلك بقوّة وعبر التجهيز القويّ والحزم. في لندن، قُضِيَ على منفّذي الهجمات خلال ثماني دقائق، وهنُّئت بحقّ الشرطة وخدمة الطوارئ على درجة استعدادهم وردّهم السريع، الذي ساعد على الحدّ من وقوع أعداد أكبر من الضحايا.

أولى أولويّات كلّ دولة هو الدفاع عن مواطنيها عند أيّ هجوم. لذا تقوم المملكة المتحدة ضمن عملها في لبنان بتقديم التوصيات للدولة اللبنانية في ما يخصّ التحضّر للأزمات، ومساعدة الأمن الداخلي على تقديم حماية أفضل للمجتمع من خلال الشرطة المجتمعيّة، وتجهيز وتدريب الجيش اللبناني لحماية الحدود ضدّ داعش ومشاركة خبراتنا في مجال مكافحة الإرهاب.

ولكن يبقى هذا الردّ الأمني غير كافٍ. إثر الصدمة وفظاعة الهجمات، يبقى السؤال بطبيعة الحال – أين يأمل هؤلاء الوصول بكلّ ما يفعلون؟
يريد الإرهابيون أذيّتنا، ولكنّهم يبغون شيئاً آخر أيضاً – إن كان في لبنان أم في لندن.

تتخطّى مسألة “الربح” بالنسبة إلى الأرهابيين قتل وتشويه الناس الأبرياء الذين وُجِدوا بكلّ بساطة في المكان غير المناسب والوقت غير المناسب. تعي الفرق الإرهابية الناشطة منها والأكبر مثل داعش أو القاعدة أنّهم لن يوجدوا بما يسمّى بالخلافة في باريس وبرلين ولندن وأنّ سلطانهم في سوريا والعراق ما لبث أن بدأ بالتّدهور. تضطلع المملكة المتحدة بدور رائد في التحالف الدولي ضدّ داعش. وقد بدأت نتائج هذه الأعمال الجماعية بالظهور. خسر داعش أكثر من ثلثي الأراضي التي احتلّها في العراق وحوالي نصف ما سيطر عليه في سوريا. كما وتمّ تحرير ما يفوق عن 2.5 مليون شخص من حكمهم المستبدّ. ولكن إن لم يكن الفوز بالنسبة لداعش هو السيطرة على الأرض، فما الداعي إذاً بالنسبة لهم؟

الدافع خلف اللجوء إلى بعث الرعب في النفوس إذا نظرنا إلى الأحداث خلال السنوات الستين الماضية وقبلها ايضاً هو جهود الإرهاب لاستقطاب المجتمعات وتحويلها إلى ساحة نزاع عنوانه “نحن ضدّهم” بهدف مضاعفة أعداد الإرهابيين ومؤيّديهم.

هم يبعثون الرعب في مجتمعاتنا لأنهم يريدوننا أن نستبعد ونعزل ونحطّ من قدر مجتمعات تكون بالتالي فريسة سهلة للإيديولوجيات الأصوليّة. بمعنى آخر، يريد الإرهابيّون تدمير حريّتنا وتدمير المجتمع المتسامح الذي نعيش فيه، وبالتحديد تدمير من همّ مصمّمين على بناء الجسور وعزل الإرهابيّين. هم يتغذّون على الحقد والتمييز العنصري. وكما قال نيكولاس هانين، الصحافي الفرنسي الذي كان رهينة داعش طوال عشرة أشهر: “أساس فكرهم هو إيمانهم بأنّ المجتعات غير قادرة على التعايش مع المسلمين، ورادارتهم مركّزة في كلّ يوم على إيجاد دلائل تدعم هذه النظريّة … والتماسك والتسامح أمران مرفوضان”.

إذاً، ما العمل؟ هذه المدوّنة ليست المكان المناسب لوضع خطّة ردّ شامل. وإنّما علينا أن نسمح للناس بعيش حياة كريمة وسعيدة تشبع النفس، ونجد التوازن الصحيح بين الأمن والحريات المدنيّة. وهذا بالطبع سهل القول وليس الفعل. ولكن ما شأن المواطنين من كلّ ذلك؟ حسناً، أقترح ألاّ نعطي الإرهابيين ما يريدون، ونجسّد الوحدة حيث يريدون التفرقة: علينا أن نكون محترسين ونواجه بشدّة الأفكار المتطرّفة، مع تفادي الوقوع في شرك وضع سمات للمجتمعات أو التجرّد من الصفات الإنسانية. وفيما لا نسمح بأيّ حجج للتطرّف العنيف، علينا تفادي السلوك الذي يتغذّى عليه وهو الإنعزال والحكم المسبق والتمييز.

كلّ هذا صعب بما فيه الكفاية وإن كانت الدولة قويّة وقادرة على حماية الأغلبية الساحقة من مواطنيها ضمن الإطار القانوني لذلك. وإذ يتخطّاه تصرّف قادة المجتمعات والأساتذة والأهل وكلّ فرد ليكون أكثر أهميّة ضمن الدول الضعيفة تحديداً.

في لبنان، ما سينقذ البلاد على المدى البعيد من التطرّف العنيف والتمييز الطائفي هو المواطنون الملتزمون بالعيش المشترك المبني على احترام الآخر والتسامح. ما معناه بناء تلك التحالفات التي تؤمن بأنّ لبنان قادر على أن يكون – وسيكون – أقوى من نموذج غير مستقرّ لطوائف تعيش إلى جانب بعضها البعض ولكن في مجمّعات منفصلة. وعلى صعيد العالم، هذا يعني حقيقة العيش معا” ومعرفة الآخر والإيمان الحقّ بالقيم المشتركة التي نعيشها.

مكمن قوّتنا الأكبر هو في رغبتنا الصادقة في العيش معاً من أجل الأخوّة وليس لمجرّد التعايش، مبنيّة على قبول الإنسان الآخر باختلافاته. لربّما هذا سهل القول بالنسبة لي كشخص لم يعش الحرب الأهلية أو لم يعاني بشكل مباشر أثر الأذى الذي يسبّبه الإرهاب. ولكن لا أرى سبيلاً آخر غير ذلك … لنا جميعاً.

About Hugo Shorter

Hugo Shorter was appointed Her Majesty's Ambassador to Lebanon in September 2015. He presented his credentials on 16 November 2016 following the election of Lebanese President General Michel Aoun. This…

Hugo Shorter was appointed Her Majesty's Ambassador to Lebanon in September 2015. He presented his credentials on 16 November 2016 following the election of Lebanese President General Michel Aoun.
This is his first Ambassadorial position coming straight from personally advising the Foreign Secretary on a wide range of Foreign Policy priorities as Head of External Affairs for Europe Directorate. In this role he has accompanied the Foreign Secretary on a monthly basis to the Foreign Affairs Council of the EU, helping negotiate EU foreign policy decisions in areas such as crisis management, sanctions and military operations. He has also co-ordinated the UK’s foreign policy work on G7/8, including during the UK G8 presidency in 2013 and the G8 Summit at Lough Erne. This work comes after an early-career focus on defence, security and trade policy, and successful postings as Minister Counsellor for Europe and Global Issues, Paris and Deputy Head of Mission, Brasilia.

Hugo Shorter, like many Lebanese, has a special connection to Brazil, having grown up there and attended school in Rio de Janeiro, before taking degrees at Oxford University and the École Nationale d’Administration.

He arrives in Lebanon with his wife Laura and three children.